أثرُ الفراشة .

أثرُ الفراشة

----------

لا أحب طعم القهوة في فمي، لكنّي أعشق رائحة البُنِّ المُحمّص وهو يعلق في ذاكرتي.

سأدعو نفسي إلى فِنجانٍ معك هذا المساء، فنجانٌ واحدٌ يكفي ،رشْفةٌ لك، ونَسْمةٌ لي .سنبدأ حديثنا عنِ الاِحتِباسِ الحراري وعنِ الثّورة البُلشفية والهيولا والانفجار العظيم ، عن الشك واليقين ... سنعرج بعدها على قاسِم وجبران والقبّاني ودرويش... سأحكي لك مقْطعًا

-لايَهمّك سماعه – من روايةٍ أقرأها ، وآخرَ من قصيدة أحبّها ، وسأحفظ عن ظهر قلبٍ تلك التفاصيل التي ستحكي لي عن أشيائكَ الصُّغرى التي لا أعرفها ، عن شُخوص قُصاصاتِك القابعة دون علمك في دُرج مكتبي.

نُدندن معا « Et si tu n’existais pas » ، و "كَرسّامٍ يَشهَدُ ميلادَ الألوان تحتَ أصابعه " ، نترك مساحة للصمتِ تولدُ بيننا، لغةٌ أخرى يُتقنها كِلانا ...

تبرُد رائحةُ البُنّ المُحمّص في الهواء .ترشُف رشفةً ، فيَضوعُ العطر من جديد في عينيّ... نُسافر بعيدا في رقعة الصمت المُستعِر خُفيةً.

تُعيدنا إلى الطاولة وردة حمراء بأيدي صبيّةٍ في معطفها المُزركش وشعرها العسليّ كَـلونِ عينيها . أ مازالت تحتفظ بلون الشمس منذ ثلاثة فصول أم أنها تحمل جينات أحد والديها ؟

"وردة سيدتي ؟" ... لا بأس أيتها الصغيرة، وردة بيضاء تكفي ، بلِ اِثنتان، واحدة لك ولِطعم القهوة على شفتيك والثانية لي ولرائحة البُنِّ المُعتّق في صدري.

نستأنف حديثنا المُعلّق عن الشعر والشعراء وعن الروايات ... بعضُ الرّوايات تحكينا – كما ستقول – وبعضها لا –كما سأرُدُّ جَدلا - ونتفق على أن الكتابة تجمعنا قطعا .

أشعر بانزعاجك الرّاقي من نظري المتكرّر إلى ساعاتي ، فأنت لا تعرف أنّي مع كل رحلة إلى رسغي أضعُ اسْمًا جديدا للعقارب والساعات والدقائق والثواني ، أضع تقويما جديدا للزمن . يمنعني كبريائي من إخبارك بذلك ويؤلمني انزعاجك ، فأنزع ساعتي وأُودعُها جيبَ معطفي ، سيخبرها نبضي بما تبقّى من حَكاية الفنجان .

تستعدُّ الشمس للرّحيل ، فيزفّها سرب من النّوارس على إيقاع المدّ الهادئ وإيقاع نبضٍ تفضحه ذبذبات الطّاولة بيننا.

هنا أضع قلمي دون أن أنزع راحَتَيْكَ الْتُطَوِّقان الفنجان ، ودون أن أغسل عن ذاكرتي رائحة البُنّ المحمص العالقة بها ... ودون أن أنهي الحكاية .

فقد يحدث يوما أن تكون ...

---
نرجس ريشة

30-12-2021

الموضوع الأصلي: أثرُ الفراشة . || الكاتب: نرجس ريشة || المصدر: مؤسسة صدانا مسجلة في الهيئة الدولية لحماية الايداع الفكري

الله يا نرجس
نص أشبه بتحفة فنية

بداي من العنوان إلى النهاية

رائعة ..

كوني بخير

الله!
أدام الله الدفق حبيبتي نرجس

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غادة نصري

الله يا نرجس
نص أشبه بتحفة فنية

بداي من العنوان إلى النهاية

رائعة ..

كوني بخير

لك المودة والإيخاء فراشة صدانا الجميلة .
ولقلبك باقة فل أبيض كقلبك عزيزتي الغالية .

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خديجة عياش

الله!
أدام الله الدفق حبيبتي نرجس

أنعم الله عليك بنوره وحكمته أ وردة الصبار العصيّة الأبية .
مودة واحترام يليقان بك عزيزتي

جميل ما قرأت هنا

دام نبض حرفك الرائع.

تقديري

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نرجس ريشة

أثرُ الفراشة

----------

لا أحب طعم القهوة في فمي، لكنّي أعشق رائحة البُنِّ المُحمّص وهو يعلق في ذاكرتي.

سأدعو نفسي إلى فِنجانٍ معك هذا المساء، فنجانٌ واحدٌ يكفي ،رشْفةٌ لك، ونَسْمةٌ لي .سنبدأ حديثنا عنِ الاِحتِباسِ الحراري وعنِ الثّورة البُلشفية والهيولا والانفجار العظيم ، عن الشك واليقين ... سنعرج بعدها على قاسِم وجبران والقبّاني ودرويش... سأحكي لك مقْطعًا

-لايَهمّك سماعه – من روايةٍ أقرأها ، وآخرَ من قصيدة أحبّها ، وسأحفظ عن ظهر قلبٍ تلك التفاصيل التي ستحكي لي عن أشيائكَ الصُّغرى التي لا أعرفها ، عن شُخوص قُصاصاتِك القابعة دون علمك في دُرج مكتبي.

نُدندن معا « et si tu n’existais pas » ، و "كَرسّامٍ يَشهَدُ ميلادَ الألوان تحتَ أصابعه " ، نترك مساحة للصمتِ تولدُ بيننا، لغةٌ أخرى يُتقنها كِلانا ...

تبرُد رائحةُ البُنّ المُحمّص في الهواء .ترشُف رشفةً ، فيَضوعُ العطر من جديد في عينيّ... نُسافر بعيدا في رقعة الصمت المُستعِر خُفيةً.

تُعيدنا إلى الطاولة وردة حمراء بأيدي صبيّةٍ في معطفها المُزركش وشعرها العسليّ كَـلونِ عينيها . أ مازالت تحتفظ بلون الشمس منذ ثلاثة فصول أم أنها تحمل جينات أحد والديها ؟

"وردة سيدتي ؟" ... لا بأس أيتها الصغيرة، وردة بيضاء تكفي ، بلِ اِثنتان، واحدة لك ولِطعم القهوة على شفتيك والثانية لي ولرائحة البُنِّ المُعتّق في صدري.

نستأنف حديثنا المُعلّق عن الشعر والشعراء وعن الروايات ... بعضُ الرّوايات تحكينا – كما ستقول – وبعضها لا –كما سأرُدُّ جَدلا - ونتفق على أن الكتابة تجمعنا قطعا .

أشعر بانزعاجك الرّاقي من نظري المتكرّر إلى ساعاتي ، فأنت لا تعرف أنّي مع كل رحلة إلى رسغي أضعُ اسْمًا جديدا للعقارب والساعات والدقائق والثواني ، أضع تقويما جديدا للزمن . يمنعني كبريائي من إخبارك بذلك ويؤلمني انزعاجك ، فأنزع ساعتي وأُودعُها جيبَ معطفي ، سيخبرها نبضي بما تبقّى من حَكاية الفنجان .

تستعدُّ الشمس للرّحيل ، فيزفّها سرب من النّوارس على إيقاع المدّ الهادئ وإيقاع نبضٍ تفضحه ذبذبات الطّاولة بيننا.

هنا أضع قلمي دون أن أنزع راحَتَيْكَ الْتُطَوِّقان الفنجان ، ودون أن أغسل عن ذاكرتي رائحة البُنّ المحمص العالقة بها ... ودون أن أنهي الحكاية .

فقد يحدث يوما أن تكون ...

---
نرجس ريشة

30-12-2021

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

عطور وبخور تضوع من حرفك السامق
كتابة سردية من أجل النحت الفلسفي والوجودي والغوص في تجاعيدنا الجوانية